كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



159 ثم قال جل وعز: {فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا} قال الضحاك يعنى به المنافقون والمعنى لا تخبر بأسمائهم.
160 وقوله جل وعز: {أفلا يتدبرون القرآن} معنى تدبرت الشيء فكرت في عاقبته ويقال أدبر.
القوم إذا تولى أمرهم إلى آخره وفي الحديث: «لا تدابروا» أي لا تعادوا أي لا يولي أحدكم صاحبه دبره من العداوة.
161 ثم قال جل وعز: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} أي لو كان ما يخبرون به مما يسرونه من عند غير الله لاختلف ومذهب قتادة وابن زيد أن المعنى لو كان القرآن من عند غير الله لوجدوا فيه تفاوتا وتناقضا لأن كلام الناس يختلف ويتناقض.
162 وقوله عز وجل: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به} قال الضحاك أفشوه وسعوا به وهم المنافقون وقال غيره هم ضعفة المسلمين كانوا إذا سمعوا المنافقين يفشون أخبار النبي صلى الله عليه وسلم توهموا انه ليس عليهم في ذلك شيء فأفشوه فعاتبهم الله على ذلك فقال: {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم} أي اولوا العلم {لعلمه الذين يستنبطونه منهم} أي يستخرجونه يقال نبطت البئر إذا اخرجت منها النبط وهو ما يخرج منها ومن هذا سمي النبط لانهم يخرجون ماء في الأرض فالمعنى لعلموا ما ينبغي أن يفشى وما ينبغي أن يفشى يكتم.
163 وقوله جل وعز: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا} في هذه الآية ثلاثة اقوال احدها ان المعنى ولولا ما تفضل الله به مما بين وأمر لاتبعتم الشيطان الا قليلا والقول الاخر ان المعنى اذاعوا به الا قليلا وهذا القول للكسائي وهو صحيح عن ابن عباس والقول الاخر قول قتاده وابن جريج وهو الذي كان يختاره أبو اسحاق ان المعنى لعلمه الذين يستنبطونه منهم الا قليلا {ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان}.
قيل هو استثناء من لاتبعتم الشيطان يعنى به قوم لم يكونوا هموا بما هم به الاخرون من اتباع الشيطان كما قال الضحاك هم اصحاب النبي عليه السلام الا قليلا الا طائفة منهم وقيل معنى الا قليلا كلكم قال أبو جعفر وهذا غير معروف في اللغة.
ومن أحسن هذه الاقوال قول من قال أذاعوا به الا قليلا لأنه يبعد أن يكون المعنى يعلمونه الذين يستنبطونه منهم الا قليلا لأنه إذا بين استوى الكل في علمه فبعد استثناء بعض المستنبطين منه.
164 ثم قال جل وعز: {فقاتل في سبيل الله لا تكلف الا نفسك} وهذا متصل بقوله: {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله} فأمره الله جل وعز بالقتال ولو كان وحده لأنه قد وعده النصر.
165 ثم قال جل وعز: {عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا} والبأس الشدة.
و(عسى) من الله واجبة لانها للترجي فإذا أمر أن يترجى شيء كان.
166 وقوله جل وعز: {من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها} قال الحسن من شفع أثيب وان لم يشفع لأنه قال جل وعز: {من يشفع} ولم يقل من يشفع وقال أبو موسى الاشعري رحمه الله كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء سائل فقال النبي صلى الله عليه وسلم اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء.
146 ثم قال جل وعز: {ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها} روي عن أبي موسى أنه قال الكفل النصيب أو قل الحظ كذا في الحديث وقال قتادة الكفل الاثم والمعروف عند أهل اللغة أن الكفل النصيب ويقال اكتفلت البعير إذا جعلت على موضع منه كساء أو غيره لتركبه وهذا مأخوذ من ذاك لانك انما تجعله على نصيب مثله.
147 وقوله جل وعز: {وكان الله على كل شيء مقيتا} في معناه قولان:
روى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مقيتا.
يقول حفيظا وباسناده مقيتا يقول قديرا وحكى الكسائي أنه قال أقات يقيت إذا قدر وقال الشاعر وذي ضغن كففت النفس عنه وكنت على مساءته مقيتا والقول أن المقيت الحفيظ قال أبو اسحاق وهذا القول عندي أصح من ذاك لأنه مأخوذ من القوت مقدار ما يحفظ الانسان.
وقال الشاعر:
ألي الفضل أم علي إذا حو ** سبت اني على الحساب مقيت

وفي الحديث كفى بالمرء اثما أن يضيع من يقيت أي يحفظ ويروى يقوت 148 وقوله جل وعز: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها} قيل هذا في السلام إذا قال سلام عليكم رد عليه وعليك السلام ورحمة الله وإذا قال السلام عليك ورحمة الله قيل وعليك السلام ورحمة الله وبركاته قال الشيخ أبو بكر وجدت في غير نسختي وإذا قال سلام عليكم ورحمة الله وبركاته رد عليه وعليك يروى هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وروي عن الحسن أنه قال السلام سنة ورده فريضة.
149 ثم قال جل وعز: {إن الله كان على كل شيء حسيبا} قال مجاهد أي حفيظا والحسيب عند بعض أهل اللغة البصريين الكافي يقال أحسبه إذا كفاه ومنه {عطاء حسابا} ومنه حسبك.
وهذا عندي غلط لأنه لا يقال في هذا أحسب على الشيء فهو حسيب عليه انما يقال بغير على والقول أنه من الحساب يقال حاسب فلانا على كذا وهو محاسبه عليه وحسيبه أي صاحب حسابه.
150 وقوله جل وعز: {الله لا إله الا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه} قيل انما سميت القيامة لأن الناس يقومون لرب العالمين.
أي يوم القيام ثم زيدت الهاء للمبالغة وقيل انما ذلك لأن الناس يقومون من قبورهم كما قال جل وعز: {يخرجون من الاجداث سراعا} والاجداث القبور.
151 وقوله جل وعز: {فمالكم في المنافقين فئتين} أي فرقتين مختلفتين قال زيد بن ثابت تخلف قوم عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فصار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين فقال بعضهم اقتلهم وقال بعضهم اعف عنهم فأنزل الله عز وجل: {فما لكم في المنافقين فئتين} قال مجاهد هم قوم أسلموا ثم أستأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى مكة فيأخذوا بضائع لهم فصار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين قوم يقولون هم منافقون وقوم يقولون هم مؤمنون حتى نتبين أمرهم أنهم منافقون فأنزل الله عز وجل: {فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا}.
وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ ركسهم بغير ألف يقال أركسهم وركسهم إذا ردهم والمعنى ردهم إلى حكم الكفار.
152 ثم قال جل وعز: {أتريدون أن تهدوا من أضل الله} أي انهم قد ضلوا.
{ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا} أي طريقا مستقيما.
153 وقوله عز وجل: {إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق} قال مجاهد صاروا إلى هلال بن عويمر وكان بينه وبين النبي حلف وقال غيره كان قوم يوادعون الله النبي صلى الله عليه وسلم ولا يقاتلونه فأمر المسلمون أن لا يقاتلوا من صار إليهم واتصل بهم ووادع كما وادعوا وقال أبو عبيدة معنى يصلون ينتسبون.
وهذا خطأ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل قريشا وهم أنسباء المهاجرين الأولين.
154 ثم قال جل وعز: {أو جاءوكم حصرت صدورهم} أي أو يصلون إلى قوم جاؤوكم حصرت صدروهم قال الكسائي معنى حصرت ضاقت قال مجاهد وهو هلال بن عويمر الذي حصر أن يقاتل المسلمين أو يقاتل قومه فدفع عنهم قال أبو العباس محمد بن يزيد المعنى على الدعاء أي أحصر الله صدورهم وقال أبو إسحاق يجوز أن يكون خبرا بعد خبر فالمعنى {أو جاؤوكم} ثم خبر بعد فقال: {حصرت صدورهم} كما قال جل وعز: {ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب} وقيل المعنى أو جاؤوكم قد حصرت صدورهم ثم حذف قد وقد قرأ الحسن حصرة صدورهم وروي عن أبي بن كعب أنه قرأ {الا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق وحصرت صدورهم} فالمعنى على هذه القراءة {الا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق وحصرت صدورهم} أي قوم حصرة صدورهم أي ضيقة.
155 وقوله جل وعز: {فان اعتزلوكم فلم يقاتلوكم} أي كفوا عن قتالكم {وألقوا اليكم السلم} أي الانقياد {فما جعل الله لكم عليهم سبيلا} قال قتادة هذه الآية منسوخة نسخها {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} في براءة.
156 وقوله جل وعز: {ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها} قال مجاهد هؤلاء قوم من أهل مكة كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون ثم يرجعون إلى الكفار فيرتكسون في الاوثان.
157 ثم قال جل وعز: {فان لم يعتزلوكم ويلقوا اليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم} ومعنى ثقفتموهم وجدتموهم واحد {وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا} أي حجة بينة بأنهم غدرة لا يوفون بعهد ولا هدنة.
158 وقوله جل وعز: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا الا خطأ} فهذا استثناء ليس من الاول قال أبو إسحاق المعنى ما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا البتة ثم قال: {الا خطأ} أي لكن ان قتله خطأ ومن قال ان الا بمعنى الواو فقوله خطأ من جهتين احداهما أنه لا يعرف أن تكون (الا) بمعنى حرف عاطف والجهة الاخرى أن الخطأ لا يحصر لأنه ليس بشئ يقصد ولو كان يقصد لكان عمدا وذكر سيبويه أن (إلا) تأتي بمعنى (لكن) كثير وأنشد:
من كان أسرع في تفرق فالج ** فلبونه جربت معا وأغدت

إلا كناشرة الذي ضيعتم ** كالغصن في غلوائه المتنبت

وكان سبب نزول هذه الآية فيما روى ابن أبي نجيح عن مجاهد أن عياش بن أبي ربيعة أخا أبي جهل لامه قتل رجلا مؤمنا كان يعذبه مع أبي جهل في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فحسب أنه كافر كما هو فقتله.
159 وقوله جل وعز: {ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله الا أن يصدقوا} وانما غلظ في قتل الخطأ ليتحرز من القتل والمعنى الا أن يتصدقوا عليكم بالدية وروي عن أبي بن كعب أنه قرأ {الا أن يتصدقوا} وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي {الا أن تصدقوا} والمعنى الا أن تتصدقوا ثم أدغم التاء في الصاد ويجوز على هذه القراءة الا أن تصدقوا بحذف احدى التاءين.
160 وقوله جل وعز: {فان كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة} معنى عدو كمعنى أعداء وروى عكرمة عن ابن عباس أن المعنى وان كان مؤمنا وقومه كفار فلا تدفعوا إليهم الدية وعليكم عتق رقبة فمعنى هذا إذا قتل مسلم خطأ وليس له قوم مسلمون فلا دية على قاتله كان قتله في دار المسلمين أو في دار الحرب وروى عطاء بن السائب عن أبي عياض قال كان الرجل يجئ يسلم ثم يأتي قومه وهم مشركون فيقيم معهم فيفرون فيقتل فيمن يقتل فنزلت {وان كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة} قال وليس له دية فمعنى هذا أن يقتل في دار الحرب خاصة وقال قوم وان قتل في دار الاسلام فحكمه حكم المسلمين.
161 ثم قال جل وعز: {وان كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة} قال الزهري الميثاق العهد فالمعنى ان كان المقتول من قوم بينكم وبينهم عهد فادفعوا إليهم الدية لئلا توغروا قال صدورهم.
162 ثم قال جل وعز: {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين} أي فمن لم يجد الدية وعتق رقبة فعليه هذا {توبة من الله} أي فعل هذا ليتوبوا توبة.
163 وقوله جل وعز: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها} روى شعبة عن منصور عن سعيد بن جبير قال أمرني ابن أبزى أن أسأل ابن عباس عن هذه الآية {ومن يقتل مؤمنا متعمدا} فسألته فقال ما نسخها شيء وروي عن زيد بن ثابت نزلت الشديدة بعد الهينة لستة أشهر {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم} بعد التي في الفرقان: {والذين لا يدعون مع الله الها آخر} إلى قوله جل وعز: {الا من تاب}.